فصل: باب إيجاب القصاص بالقتل العمد وأن مستحقه بالخيار بينه وبين الدية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 كتاب الدماء

 باب إيجاب القصاص بالقتل العمد وأن مستحقه بالخيار بينه وبين الدية

1 - عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا اللّه وأني رسول اللّه إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

2 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏لا يحل دم امرئ مسلم إلا من ثلاثة إلا من زنى بعد ما أحصن أو كفر بعد ما أسلم أو قتل نفسا فقتل بها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي ومسلم بمعناه‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصالزان محصن فيرجم ورجل يقتل مسلمًا متعمدًا ورجل يخرج من الإسلام فيحارب اللّه عز وجل ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض‏)‏‏.‏

رواه النسائي وهو حجة في أنه لا يؤخذ مسلم بكافر‏.‏

حديث عائشة باللفظ الآخر أخرجه أيضًا أبو داود والحاكم وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏امرئ مسلم‏)‏ فيه دليل على أن الكافر يحل دمه لغير الثلاث المذكورة لأن التوصيف بالمسلم يشعر بأن الكافر يخالفه في ذلك ولا يصح أن تكون المخالفة إلى عدم حل دمه مطلقًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يشهد أن لا إله إلا اللّه‏)‏ الخ هذا وصف كاشف لأن المسلم لا يكون مسلمًا إلا إذا كان يشهد تلك الشهادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا بإحدى ثلاث‏)‏ مفهوم هذا يدل على أنه لا يحل بغير هذه الثلاث وسيأتي ما يدل على أنه يحل بغيرها فيكون عموم هذا المفهوم مخصصًا بما ورد من الأدلة الدالة على أنه يحل دم المسلم بغير الأمور المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الثيب الزاني‏)‏ هذا مجمع عليه على ما سيأتي بيانه إن شاء اللّه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والنفس بالنفس‏)‏ المراد به القصاص وقد يستدل به من قال إنه يقتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة والمسلم بالكافر لما فيه من العموم وسيأتي تحقيق الخلاف وما هو الحق في هذه المواطن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والتارك لدينه‏)‏ ظاهره أن الرد من موجبات قتل المرتد بأي نوع من أنواع الكفر كانت والمراد بمفارقة الجماعة مفارقة جماعة الإسلام ولا يكون ذلك إلا بالكفر لا بالبغي والابتداع ونحوهما فإنه وإن كان في ذلك مخالفة للجماعة فليس فيه ترك للدين إذ المراد الترك الكلي ولا يكون إلا بالكفر لا مجرد ما يصدق عليه اسم الترك وإن كان لخصلة من خصال الدين للإجماع على أنه لا يجوز قتل العاصي بترك أي خصلة من خصال الإسلام اللّهم إلا أن يراد أنه يجوز قتل الباغي ونحوه دفعًا لا قصدًا ولكن ذلك ثابت في كل فرد من الأفراد فيجوز لكل فرد من أفراد المسلمين أن يقتل من بغى عليه مريدًا لقتله أو أخذ ماله ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث الباب بل المراد بالترك للدين والمفارقة للجماعة الكفر فقط كما يدل على ذلك قوله في الحديث الآخر‏:‏ ‏(‏أو كفر بعد ما أسلم‏)‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏أو رجل يخرج من الإسلام‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخرج من الإسلام‏)‏ هذا مستثنى من قوله مسلم باعتبار ما كان عليه لا باعتبار الحال الذي قتل فيه فإنه صار كافرًا فلا يصدق عليه أنه امرؤ مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيقتل أو يصلب أو ينفى‏)‏ هذه الأفعال أوائلهامضمومة مبنية للمجهول وفيه دليل على أنه يجوز أن يفعل بمن كفر وحارب أي نوع من هذه الأنواع الثلاثة ويمكن أن يراد بقوله ورجل يخرج من الإسلام المحارب ووصفه بالخروج عن الإسلام لقصد المبالغة ويدل على إرادة هذا المعنى تعقيب الخروج عن الإسلام بقوله‏:‏ ‏(‏فيحارب اللّه ورسوله‏)‏ لما تقرر من أن مجرد الكفر يوجب القتل وإن لم ينضم إليه المحاربة ويدل على إرادة ذلك المعنى أيضًا ذكر حد المحارب عقب ذلك بقوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض فإن هذا هو الذي أمر اللّه به في حق المحاربين بقوله‏:‏ ‏{‏إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض‏}‏‏.‏

3 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل‏)‏‏.‏

رواه الجماعة لكن لفظ الترمذي‏:‏ ‏(‏إما أن يعفو وإما أن يقتل‏)‏‏.‏

4 - وعن أبي شريح الخزاعي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو فإن أراد رابعة فخذوا على يديه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال اللّه تعالى لهذه الأمة ‏{‏كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر‏}‏ الآية ‏{‏فمن عفي له من أخيه شيء‏}‏ قال‏:‏ فالعفو أن يقبل في العمد الدية والإتباع بالمعروف يتبع الطالب بمعروف ويؤدي إليه المطلوب بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فيما كتب على من كان قبلكم‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي والدارقطني‏.‏

حديث أبو شريح الخزاعي في إسناده محمد بن إسحاق وقد أورده معنعنًا وهو معروف بالتدليس فإذا عنعن ضعف حديثه كما تقدم تحقيقه غير مرة وفي إسناده أيضًا سفيان بن أبي العرجاء السلمي قال أبو حاتم الرازي‏:‏ ليس بالمشهور وقد أخرج الحديث المذكور النسائي وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة بمعناه كما في حديثه المذكور وأبو شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبعدها حاء مهملة اسمه خويلد بن عمرو ويقال كعب بن عمرو ويقال هانئ ويقال عبد الرحمن بن عمرو وقيل غير ذلكوالأول هو المشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل‏)‏ ظاهره أن الخيار إلى الأهل الذين هم الوارثون للقتيل سواء كانوا يرثونه بسبب أو نسب وهذا مذهب العترة والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه‏.‏

وقال الزهري ومالك‏:‏ يختص بالعصبة إذ شرع لنفي العار كولاية النكاح فإن عفوا فالدية كالتركة‏.‏

وقال ابن سيرين‏:‏ يختص بالورثة من النسب إذ شرع للتشفي والزوجية ترتفع بالموت فلا تشفي وأجيب بأنه شرع لحفظ الدماء لقوله تعالى ‏{‏ولكم في القصاص حياة‏}‏ وظاهر الحديث أن القصاص والدية واجبان على التخيير وإليه ذهبت الهادوية والناصر وأبو حامد والشافعي في قول له وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه والناصر والداعي والطبري إن الواجب بالقتل هو القصاص لا الدية فليس للولي اختيارها لقوله تعالى ‏{‏كتب عليكم القصاص في القتلى‏}‏ ولم يذكر الدية ويجاب بأن عدم الذكر في الآية لا يستلزم عدم الذكر مطلقًا فإن الدية قد ذكرت في حديثي الباب وأيضًا تقدير الآية فمن اقتص فالحر بالحر ومن عفي له من أخيه شيء فالدية ويدل على ذلك تفسير ابن عباس المذكور‏.‏

وظاهر الحديث أيضًا أن الولي إذا عفا عن القصاص لم تسقط الدية بل يجب على القاتل تسليمها وروي عن مالك وأبي حنيفة والشافعي في قول له والمؤيد باللّه في قول له أيضًا أنها تتبع القصاص في السقوط ويؤيد عدم السقوط قوله تعالى ‏{‏فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان‏}‏ وأجاب القائلون بالسقوط بأن المعروف والإحسان التفضل لا الوجوب كما تقتضيه العبارة لأن الوجوب يقتضي العقاب على الترك والمعروف والإحسان لا يقتضيان ذلك بدليل قوله تعالى ‏{‏ذلك تخفيف من ربكم ورحمة‏}‏ ورد بأن التخفيف المذكور هو بالتخيير بين القصاص والدية لهذه الأمة بعد أن كان الواجب على بني إسرائيل هو القصاص فقط ولم يكن فيهم الدية ولا شك أن التخيير بين أمرين أوسع وأخف من تعيين واحد كما في كلام ابن عباس المذكور في الباب ويدل على عدم سقوط الدية بسقوط القصاص حديث أبي هريرة وأبي شريح المذكوران وقد أخرج الترمذي وابن ماجه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ‏:‏ ‏(‏من قتل متعمدًا أسلم إلى أولياء المقتول فإن احبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة في بطونها أولادها‏)‏ وفي الكشاف في تفسيرالآية المذكورة ما لفظه فإتباع بالمعروف فليكن إتباع أو فالأمر إتباع وهذه توصية للمعفو عنه والعافي جميعًا فليتبع الولي القاتل بالمعروف بأن لا يعنف عليه وأن لا يطالبه إلا مطالبة جميلة وليؤد إليه القاتل بدل دم المقتول أداء بإحسان بأن لا يمطله ولا يبخسه ذلك الحكم المذكور من العفو والدية تخفيف من ربكم ورحمة لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص البتة وحرم العفو وأخذ الدية وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية وخيرت هذه الأمة بين الثلاث القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيرًا انتهى‏.‏ والمراد بقوله في حديث أبي شريح فإن أراد رابعة فخذوا على يديه أي إذا أراد زيادة على القصاص أو الدية أو العفو ومن ذلك قوله تعالى ‏{‏فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم‏}‏‏.‏

 باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر والتشديد في قتل الذمي وما جاء في الحر بالعبد

1 - عن أبي جحيفة قال‏:‏ ‏(‏قلت لعلي هل عندكم شيء من الوحي ما ليس في القرآن فقال‏:‏ لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهمًا يعطيه اللّه رجلًا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت‏:‏ وما في هذه الصحيفة قال‏:‏ العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود والترمذي‏.‏

2 - وعن علي رضي اللّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو داود وهو حجة في أخذ الحر بالعبد‏.‏

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى أن لا يقتل مسلم بكافر‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث علي الآخر أخرجه أيضًا الحاكم وصححه وحديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود والمنذري وصاحب التلخيص ورجاله رجال الصحيح إلى عمرو بنشعيب‏.‏

- وفي الباب - عن ابن عمر عند ابن حبان في صحيحه وأشار إليه الترمذي وحسنه‏.‏ وعن ابن عباس عند ابن ماجه وروى الشافعي من حديث عطاء وطاوس ومجاهد والحسن مرسلًا‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يوم الفتح‏:‏ لا يقتل مؤمن بكافر‏)‏ وروى البيهقي من حديث عمران بن حصين نحو ما في الباب وكذلك رواه البزار من حديثه وروى أبو داود والنسائي والبيهقي من حديث عائشة نحوه وقال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر حديث علي الآخر وحديث عمرو بن شعيب وحديث عائشة وابن عباس‏:‏ لأن طرقها كلها ضعيفة إلا الطريق الأولى والثانية فإن سند كل منهما حسن انتهى‏.‏

وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن مسلمًا قتل رجلًا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الدية‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ هذا في غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا إلا ما رويناه عن عمر أنه كتب في مثل ذلك أن يقاد به ثم ألحقه كتابًا فقال‏:‏ لا تقتلوه ولكن اعتقلوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل عندكم‏)‏ الخطاب لعلي ولكنه غلبه على غيره من أهل البيت لحضوره وغيبتهم أو للتعظيم قال الحافظ‏:‏ وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن لأهل البيت لا سيما علي اختصاصًا بشيء من الوحي لم يطلع عليه غيرهم وقد سأل عليًا عن هذه المسألة قيس بن عبادة والأشتر النخعي قال‏:‏ والظاهر أن المسؤول عنه هنا ما يتعلق بالأحكام الشرعية من الوحي الشامل للكتاب والسنة فإن اللّه سبحانه سماها وحيًا إذا فسر قوله تعالى ‏{‏وما ينطق عن الهوى‏}‏ بما هو أعم من القرآن ويدل على ذلك قوله وما في هذه الصحيفة فإن المذكور فيها ليس من القرآن بل من أحكام السنة وقد أخرج أحمد والبيهقي أن عليًا كان يأمر بالأمر فيقال قد فعلناه فيقول صدق اللّه ورسوله فلا يلزم منه نفي من ينسب إلى علي من علم الجفر ونحوه أو يقال هو مندرج تحت قوله إلا فهمًا يعطيه اللّه تعالى رجلًا في القرآن فإنه ينسب إلى كثير ممن فتح اللّه عليه بأنواع العلوم أنه يستنبط ذلك من القرآن‏.‏ ومما يدل على اختصاص علي بشيء من الأسرار دون غيره حديث المخدج المقتول من الخوارج يوم النهروان كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود فإنه قال يومئذ‏:‏ التمسوا فيهم المخدج‏.‏ يعني في القتلى فلم يجدوه فقام الإمام علي بنفسه حتى أتى أناسًا قد قتل بعضهم على بعض فقال‏:‏ أخرجوهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر وقال‏:‏ صدق اللّه وبلغ رسوله فقامإليه عبيدة السلماني فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين واللّه الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أي واللّه الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثًا وهو يحلف‏.‏ والمخدج المذكور هو ذو الثدية وكان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا فهمًا‏)‏ هكذا في رواية بالنصب على الاستثناء وفي رواية بالرفع على البدل والفهم بمعنى المفهوم من لفظ القرآن أو معناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما في هذه الصحيفة‏)‏ أي الورقة المكتوبة والعقل الدية وسميت بذلك لأنهم كانوا يعطون الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل وفي رواية الديات أي تفصيل أحكامها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفكاك الأسير‏)‏ بكسر الفاء وفتحها أي أحكام تخليص الأسير من يد العدو والترغيب فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن لا يقتل مسلم بكافر‏)‏ دليل على أن المسلم لا يقاد بالكافر أما الكافر الحربي فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر وأما الذمي فذهب إليه الجمهور لصدق اسم الكافر عليه وذهب الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يقتل المسلم بالذمي واستدلوا بقوله في حديث علي وعمرو بن شعيب‏:‏ ‏(‏ولا ذو عهد في عهده‏)‏ ووجهه أنه معطوف على قوله مؤمن فيكون التقدير ولا ذو عهد في عهده بكافر كما في المعطوف عليه والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط بدليل جعله مقابلًا للمعاهد لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهدًا مثله من الذميين إجماعًا فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربي كما قيد في المعطوف لأن الصفة بعد متعدد ترجع إلى الجميع اتفاقًا فيكون التقدير لا يقتل مؤمن بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي وهو يدل بمفهومه على أن المسلم يقتل بالكافر الذمي ويجاب أولًا بأن هذا مفهوم صفة والخلاف في العمل به مشهور بين أئمة الأصول ومن جملة القائلين بعدم العمل فيه الحنفية فكيف يصح احتجاجهم به وثانيًا بأن الجملة المعطوفة أعني قوله ولا ذو عهد في عهده لمجرد النهي عن قتل المعاهد فلا تقدير فيها أصلًا ورد بأن الحديث مسوق لبيان القصاص لا للنهي عن القتل فإن تحريم قتل المعاهد معلوم من ضرورة أخلاق الجاهلية فضلًا عن الإسلام وأجيب عن هذا الرد بأن الأحكام الشرعية إنما تعرف من كلام الشارع وكون تحريم قتل المعاهد معلومًا من أخلاق الجاهلية لا يستلزم معلوميته في شريعة الإسلام كيف والأحكام الشرعية جاءت بخلاف القواعد الجاهلية فلا بد من معرفة أن الشريعة الإسلاميةقررته ويؤيد ذلك أن السبب في خطبته صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم الفتح بقوله‏:‏ ‏(‏لا يقتل مسلم بكافر‏)‏ ما ذكره الشافعي في الأم حيث قال‏:‏ وخطبته يوم الفتح كانت سبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد فخطب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ‏(‏لو قتلت مسلمًا بكافر لقتلته به‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده‏)‏ فأشار بقوله لا يقتل مسلم بكافر إلى تركه الاقتصاص من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله وبقوله ولا ذو عهد في عهده إلى النهي عن الإقدام على ما فعله القاتل المذكور فيكون قوله ولا ذو عهد في عهده كلامًا تامًا لا يحتاج إلى تقدير ولا سيما وقد تقرر أن التقدير خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا لضرورة ولا ضرورة كما قررناه ويجاب ثالثًا بأن الصحيح المعلوم من كلام المحققين من النحاة وهو الذي نص عليه الرضي أنه لا يلزم اشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في الحكم الذي لأجله وقع العطف وهو هنا النهي عن القتل مطلقًا من غير نظر إلى كونه قصاصًا أو غير قصاص فلا يستلزم كون إحدى الجملتين في القصاص أن تكون الأخرى مثلها حتى يثبت ذلك التقدير المدعى وأيضًا تخصيص العموم بتقدير ما أضمر في المعطوف ممنوع لو سلمنا صحة التقدير المتنازع فيه كما صرح بذلك صاحب المنهاج وغيره من أهل الأصول‏.‏

- ومن جملة - ما احتج به القائلون بأنه يقتل المسلم بالذمي عموم قوله تعالى ‏{‏النفس بالنفس‏}‏ ويجاب بأنه مخصص بأحاديث الباب ومن أدلتهم ما أخرجه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن البيلماني‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قتل مسلمًا بمعاهد وقال أنا أكرم من وفى بذمته‏)‏ وأجيب عنه بأنه مرسل ولا تثبت بمثله حجة وبأن ابن البيلماني المذكور ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله كما قال الدارقطني قال أبو عبيد القاسم بن سلام هو حديث ليس بمسند ولا يجعل مثله إمامًا تسفك به دماء المسلمين وأما ما وقع في رواية عمار بن مطر عن ابن البيلماني عن ابن عمر فقال البيهقي هو خطأ من وجهين أحدهما وصله بذكر ابن عمر والآخر أنه رواه عن إبراهيم عن ربيعة وإنما رواه إبراهيم عن ابن المنكدر والحمل فيه على عمار بن مطر الرهاوي فقد كان يقلب الأسانيد ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته وسقط عن حد الاحتجاج به وروي عن البيهقي أنه قال‏:‏ لم يسنده غير ابن أبي يحيى يعني إبراهيم المذكور وقدذكرناه في غير موضع من هذا الشرح أنه لا يحتج بمثله لكونه ضعيفًا جدًا وقد قال علي بن المديني‏:‏ إن هذا الحديث إنما يدور على إبراهيم ابن أبي يحيى وقيل إن كلام المديني هذا غير مسلم فإن أبا داود قد أخرجه في المراسيل وكذلك الطحاوي من طريق سليمان بن بلال عن ربيعة عن أبي البيلماني فلم يكن دائرًا على إبراهيم ويجاب بأن ابن المديني إنما أراد أن الحديث المسند بذكر ابن عمر يدور على إبراهيم بن أبي يحيى فقط ولم يرد أن المسند والمرسل يدوران عليه فلا استدراك وقد أجاب الشافعي في الأم عن حديث ابن البيلماني المذكور بأنه كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية فلو ثبت لكان منسوخًا لأن حديث لا يقتل مسلم بكافر خطب به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم الفتح كما في رواية عمرو بن شعيب وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان واستدلوا بما أخرجه الطبراني‏:‏ ‏(‏أن عليًا أتي برجل من المسلمين قتل رجلًا من أهل الذمة فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال‏:‏ إني قد عفوت قال‏:‏ فلعلهم هددوك وفرقوك وقرعوك قال‏:‏ لا ولكن قتله لا يرد عليّ أخي وعرضوا لي ورضيت قال‏:‏ أنت أعلم من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا وهذا مع كونه قول صحابي ففي إسناده أبو الجنوب الأسدي وهو ضعيف الحديث كما قال الدارقطني‏.‏

وقد روى علي رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه لا يقتل مسلم بكافر كما في حديث الباب والحجة إنما هي في روايته وروي عن الشافعي في هذه القضية أنه قال‏:‏ ما دليلكم أن عليًا يروي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئًا ويقول بخلافه واستدلوا أيضًا بما رواه البيهقي عن عمر في مسلم قتل معاهدًا فقال‏:‏ إن كانت طيرة في غضب فعلى القاتل أربعة آلاف وإن كان القاتل لصًا عاديًا فيقتل ويجاب عن هذا أولًا بأنه قول صحابي ولا حجة فيه وثانيًا بأنه لا دلالة فيه على محل النزاع لأنه رتب القتل على كون القاتل لصًا عاديًا وذلك خارج عن محل النزاع وأسقط القصاص عن القاتل في غضب وذلك غير مسقط لو كان القصاص واجبًا وثالثًا بأنه قال الشافعي في القصص المروية عن عمر في القتل بالمعاهد أنه لا يعمل بحرف منها لأن جميعها منقطعات أو ضعاف أو تجمع الانقطاع والضعف وقد تمسك بما روي عن عمر مما ذكرنا مالك والليث فقالا يقتل المسلم بالذمي إذا قتله غيلة قال والغيلة أن يضجعه فيذبحه ولا متمسك لهما في ذلك لماعرفت إذا تقرر هذا علم أن الحق ما ذهب إليه الجمهور ويؤيده قوله تعالى ‏{‏ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلًا‏}‏ ولو كان للكافر أن يقتص من المسلم لكان في ذلك أعظم سبيل وقد نفى اللّه تعالى أن يكون له عليه السبيل نفيًا مؤكدًا وقوله تعالى ‏{‏لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة‏}‏‏.‏

ووجهه أن الفعل الواقع في سياق النفي يتضمن النكرة فهو في قوة الاستواء فيعم كل أمر من الأمور إلا ما خص ويؤيد ذلك أيضًا قصة اليهودي الذي لطمه المسلم لما قال لا والذي اصطفى موسى على البشر فلطمه المسلم فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يثبت له الاقتصاص كما في الصحيح وهو حجة على الكوفيين لأنهم يثبتون القصاص باللطمة‏.‏ ومن ذلك حديث الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وهو وإن كان فيه مقال لكنه قد علقه البخاري في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المؤمنون تتكافأ دماؤهم‏)‏ أي تتساوى في القصاص والديات‏.‏ والكفء النظير والمساوي ومنه الكفاءة في النكاح أنه لا فرق بين الشريف والوضيع في الدم بخلاف ما كان عليه الجاهلية من المفاضلة وعدم المساواة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهم يد على من سواهم‏)‏ أي هم مجتمعين على أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويسعى بذمتهم أدناهم‏)‏ يعني أنه إذا أمن المسلم حربيًا كان أمانه أمانًا من جميع المسلمين ولو كان ذلك المسلم امرأة بشرط أن يكون مكلفًا فيحرم النكث من أحدهم بعد أمانه‏.‏

4 - وعن عبد اللّه بن عمرو‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه‏.‏

5 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ألا من قتل نفسًا معاهدة لها ذمة اللّه وذمة رسوله فقد أخفر ذمة اللّه ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفًا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏

حديث أبي هريرة قال الترمذي بعد أن قال إنه حسن‏:‏ إنه قد روي عن أبي هريرة من غير وجه مرفوعًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معاهدًا‏)‏ المعاهد هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى ‏{‏وإن أحدمن المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه ثم أبلغه مأمنه‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يرح رائحة الجنة‏)‏ بفتح الأول من يرح وأصله راح الشيء أي وجد ريحه ولم يرحه أي لم يجد ريحه ورائحة الجنة نسميها الطيب وهذا كناية عن عدم دخول من قتل معاهدًا الجنة لأنه إذا لم يشم نسيمها وهو يوجد من مسيرة أربعين عامًا لم يدخلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد أخفر ذمة اللّه‏)‏ بالخاء والفاء والراء أي نقض عهده وغدر ـ ‏والحديثان‏ ـ اشتملا على تشديد الوعيد على قاتل المعاهد لدلالتهما على تخليده في النار وعدم خروجه عنها وتحريم الجنة عليه مع أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم في قاتل المسلم هل يخلد فيها أم يخرج عنها فمن قال إنه يخلد تمسك بقوله تعالى ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها‏}‏ الآية ومن قال بعدم تخليده على الدوام قال الخلود في اللغة اللبث الطويل ولا يدل على الدوام وسيأتي الكلام عليه وأما قاتل المعاهد فالحديثان مصرحان بأنه لا يجد رائحة الجنة وذلك مستلزم لعدم دخولها أبدًا وهذان الحديثان وأمثالهما ينبغي أن يخصص بهما عموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة بعد ذلك‏.‏

وقال في الفتح‏:‏ إن المراد بهذا النفي وإن كان عامًا التخصيص بزمان ما لتعاضد الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلمًا وكان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامه غير مخلد في النار ومآله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك انتهى‏.‏

وقد ثبت في الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏سبعين خريفًا‏)‏ ومثله روى أحمد عن رجل من الصحابة وفي رواية للطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏مائة عام‏)‏ وفي أخرى له عن أبي بكرة بلفظ‏:‏ ‏(‏خمسمائة عام‏)‏ ومثله في الموطأ‏.‏

وفي رواية في مسند الفردوس من حديث جابر بلفظ‏:‏ ‏(‏ألف عام‏)‏ وقد جمع صاحب الفتح بين هذه الأحاديث‏.‏

6 - وعن الحسن عن سمرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏

وفي رواية لأبي داود والنسائي‏:‏ ‏(‏ومن خصى عبده خصيناه‏)‏ قال البخاري‏:‏ قال علي بن المديني‏:‏ سماع الحسن من سمرة صحيح وأخذ بحديثه من قتل عبده قتلناه وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل السيد بعبده وتأولوا الخبر على أنه أراد من كان عبده لئلا يتوهم تقدم الملك مانعًا‏)‏‏.‏

وقد روى الدارقطنيبإسناد عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن رجلًا قتل عبده متعمدًا فجلده النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به وأمره أن يعتق رقبة‏)‏ وإسماعيل بن عياش فيه ضعف إلا أن أحمد قال‏:‏ ما روى عن الشاميين صحيح وما روى عن أهل الحجاز فليس صحيح وكذلك قول البخاري فيه‏.‏

حديث سمرة قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ إن الترمذي صححه والصواب ما قاله المصنف هنا فإنا لم نجد في نسخ من الترمذي إلا لفظ حسن غريب كما قال المصنف‏.‏ والزيادة التي ذكرها أبو داود والنسائي صححها الحاكم وفي إسناد الحديث ضعف لأنه من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف طويل فقال يحيى بن معين‏:‏ إنه لم يسمع منه شيئًا‏.‏ وقال علي بن المديني‏:‏ إن سماعه منه صحيح كما حكى ذلك المصنف عنه وعن بعض أهل العلم إنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة المتقدم فقط وقد قدمنا الخلاف في سماعه وعدمه بما هو أطول من هذا‏.‏

وقد روى أبو داود عن قتادة بإسناد شعبة أن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول لا يقتل حر بعبد‏.‏ - وحديث الباب - مروي من طريق قتادة عنه‏.‏ وحديث إسماعيل بن عياش رواه عن الأوزاعي كما ذكره المصنف والأوزاعي شامي دمشقي وإسماعيل قوي في الشاميين لكن دونه محمد بن عبد العزيز الشامي قال فيه أبو حاتم‏:‏ لم يكن عندهم بالمحمود وعنده غرائب - وفي الباب - عن عمر عند البيهقي وابن عدي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يقاد مملوك من مالك ولا ولد من والده‏)‏ وفي إسناده عمر بن عيسى الأسلمي وهو منكر الحديث كما قال البخاري‏.‏ وعن ابن عباس عند الدارقطني والبيهقي مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لا يقتل حر بعبد‏)‏ وفيه جويبر وغيره من المتروكين‏.‏ وعن علي قال‏:‏ ‏(‏من السنة لا يقتل حر بعبد‏)‏ ذكره صاحب التلخيص وأخرجه البيهقي‏.‏ وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف‏.‏

وأخرج البيهقي عن علي قال‏:‏ ‏(‏أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم برجل قتل عبده متعمدًا فجلده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مائة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به‏)‏ وهو شاهد لحديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب‏.‏

وأخرج البيهقي أيضًا من حديث عبد اللّه بن عمرو في قصة زنباع لما جب عبده وجدع أنفه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليهوآله وسلم‏:‏ ‏(‏من مثل بعبده أو حرقه بالنار فهو حر وهو مولى اللّه ورسوله فأعتقه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يقتص من سيده‏)‏ وفي إسناده المثنى بن الصباح وهو ضعيف لا يحتج به وله طريق أخرى فيها الحجاج بن أرطأة وهو أيضًا ضعيف‏.‏ وله أيضًا طريق ثالثة فيها سواد بن حمزة وليس بالقوي‏.‏

وفي سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏جاء رجل مستصرخ إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ حادثة لي يا رسول اللّه فقال‏:‏ ويحك ما لك فقال‏:‏ شر أبصر لسيده جارية فغار فجب مذاكيره فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ عليّ بالرجل فطلب فلم يقدر عليه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ اذهب فأنت حر فقال‏:‏ يا رسول اللّه على من نصرتي قال‏:‏ على كل مؤمن أو قال على كل مسلم‏)‏ وأخرج أحمد وابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد‏)‏ وأخرج البيهقي عن أبي جعفر عن بكير أنه قال‏:‏ ‏(‏مضت السنة بأن لا يقتل الحر المسلم بالعبد وإن قتله عمدًا‏)‏ وكذلك أخرج عن الحسن وعطاء والزهري من قولهم - وقد اختلف - أهل العلم في قتل الحر بالعبد‏.‏ وحكى صاحب البحر الإجماع على أنه لا يقتل السيد بعبده إلا عن النخعي وهكذا حكى الخلاف عن النخعي وبعض التابعين الترمذي وأما قتل الحر بعبد غيره فحكاه في البحر عن أبي حنيفة وأبي يوسف وحكاه صاحب الكشاف عن سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وأبي حنيفة وأصحابه‏.‏

وحكى الترمذي عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وبعض أهل العلم أنه ليس بين الحر والعبد قصاص لا في النفس ولا فيما دون النفس‏.‏ قال‏:‏ وهو قول أحمد وإسحاق وحكاه صاحب الكشاف عن عمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وعكرمة ومالك والشافعي‏.‏ وحكاه في البحر عن علي وعمر وزيد بن ثابت وابن الزبير والعترة جميعًا والشافعي ومالك وأحمد بن حنبل‏.‏ وروى الترمذي في المسألة مذهبًا ثالثًا فقال‏:‏ وقال بعضهم‏:‏ إذا قتل عبده لا يقتل به وإذا قتل عبد غيره قتل به وهو قول سفيان الثوري انتهى‏.‏

وقد احتج المثبتون للقصاص بين الحر والعبد بحديث سمرة المذكور وهو نص في قتل السيد بعبده ويدل بفحوى الخطاب على أن غير السيد بالعبد بالأولى وأجاب عنه النافون أولًا بالمقال الذي تقدمفيه وثانيًا بالأحاديث القاضية بأنه لا يقتل حر بعبد فإنها قد رويت من طرق متعددة يقوى بعضها بعضًا فتصلح للاحتجاج وثالثًا بأنه خارج مخرج التحذير ورابعًا بأنه منسوخ ويؤيد دعوى النسخ فتوى الحسن بخلافه وخامسًا بأن النهي أرجح من غيره كما تقرر في الأصول – والأحاديث - المذكورة في أنه لا يقتل حر بعبد مشتملة عليه وسادسًا بأنه يفهم من دليل الخطاب في قوله تعالى ‏{‏الحر بالحر والعبد بالعبد‏}‏ أنه لا يقتل الحر بالعبد ولا يخفى أن هذه الأجوبة يمكن مناقشة بعضها وقد عكس دعوى النسخ المثبتون فقالوا إن الآية المذكورة منسوخة بقوله تعالى ‏{‏النفس بالنفس‏}‏ واستدلوا أيضًا بالحديث المتقدم في أول الباب عن علي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏المؤمنون تتكافأ دماؤهم‏)‏ ويجاب عن الاحتجاج بالآية المذكورة أعني قوله ‏{‏النفس بالنفس‏}‏ بأنها حكاية لشريعة بني إسرائيل لقوله تعالى في أول الآية ‏{‏وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس‏}‏ بخلاف قوله تعالى ‏{‏الحر بالحر والعبد بالعبد‏}‏ فإنها خطاب لأمة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم وشريعة من قبلنا إنما تلزمنا إذا لم يثبت في شرعنا ما يخالفها وقد ثبت ما هو كذلك على أنه قد اختلف في التعبد بشرع من قبلنا من الأصل كما ذلك معروف في كتب الأصول ثم إنّا لو فرضنا أن الآيتين جميعًا تشريع لهذه الأمة لكانت آية البقرة مفسرة لما أبهم في آية المائدة أو تكون آية المائدة مطلقة وآية البقرة مقيدة والمطلق يحمل على المقيد وقد أيد بعضهم عدم ثبوت القصاص بأنه لا يقتص من الحر بأطراف العبد إجماعًا فكذا النفس وأيد آخر ثبوت القصاص فقال‏:‏ إن العتق يقارن المثلة فيكون جناية على حر في التحقيق حيث كان الجاني سيده ويجاب عن هذا بأنه إنما يتم على فرض بقاء المجني عليه بعد الجناية زمنًا يمكن فيه أن يتعقب الجناية العتق ثم يتعقبه الموت لأنه لا بد من تأخر المعلول عن العلة في الذهن وإن تقارنا في الواقع وعلى فرض أن العبد يعتق بنفس المثلة لا بالمرافعة وهو محل خلاف‏.‏

وقد أجاب صاحب المنحة عن هذا الإشكال فقال‏:‏ إنه يتم في صورة جدعه وخصيه لا في صورة قتله انتهى‏.‏ وهذا وهم لأن المراد بالمثلة في كلام المورد للتأييد هي المثلة بالعبد الموجبة لعتقه بالضرب واللطم ونحوهما لا المثلة المخصوصة التي سرى ذهن صاحب المنحة إليها وقد أورد على المستدلين بقوله تعالى‏{‏الحر بالحر والعبد بالعبد‏}‏ إنه يلزم على مقتضى ذلك أن لا يقتل العبد بالحر وأجيب بأن قتل العبد بالحر مجمع عليه فلا يلزم التساوي بينهما في ذلك‏.‏ وأورد أيضًا بأنه يلزم أن لا يقتل الذكر بالأنثى ولا الأنثى بالذكر وسيأتي الجواب عن ذلك‏.‏